🎠معركة القادسية الحلقة الثالثة 🎠
الحلقة الثالثة
انتهز نصارى العرب القاطنون على شاطئ الفُرات غيابَ خالد في دومة الجندل، فأعْلنوا تمرُّدَهم على الإدارة الإسلامية، واتخذوا من "حصيد" و"الخنافس" قاعدةً لهم، غير أنَّ خالدًا لما رجع إلى الحيرة قضى على الاضطرابات في المنطقة،[16] ثم انطلق بالجيش إلى "الفراض"، حيث اجتمع فيها الفرس والروم ونصارى العرب، وتحزَّبوا ضد المسلمين، فقاتلهم المسلمون قتالاً شديدًا وانتصروا عليهم في منتصف ذي القعدة سنة 12 هـ. ظلَّ خالد بن الوليد في العراق حتى ربيع سنة 13 هـ،[17] حيث صدرتْ إليه التعليمات من أبي بكر بالتوجُّه بنِصْف الجيش الإسلامي في العِراق إلى الشام لمساعدة المسلمين هناك.[18]
تولَّى قيادة الجيش الإسلامي في العراق المثنى بن حارثة الشيباني، وقد اتَّسم بالحَذَر والحيطة، ومتابعة أخبارِ عدوِّه، فأخَذ يراقب الأوضاع العامَّة في المدائن وفي الأراضي الخاضعة للمسلمين، فأذكى العيون، وأقام المسالح[19]، غير أنَّه أدرك أنَّ قدرات الجيش الإسلامي في العراق غيرُ كافية للتصدِّي للفُرْس، الذين توحَّدت جبهتُهم الداخلية بتولِّي يزدجرد القيادة السياسية، فطلب المثنَّى من أبي بكر أن يمدَّه بقوة عسكرية، فلمَّا تأخَّر المدَد، قرر أن يرحل إلى المدينة ليطَّلع الخليفة على أوضاع المنطقة، فلمَّا وصل إلى المدينة، وجد أبا بكر مريضًا قد عهِد بأمر المسلمين إلى عمر بن الخطاب إلاَّ أنَّ أبا بكر لم يشغلْه مرضُه رغم شدته، فأصْغى إلى المثنَّى بن حارثة، فلما وقف على أوضاع المنطقة، وعلى أوضاع الجيش الإسلامي في العراق، أرسل إلى عمر، فلمَّا حَضَر عنده قال له: اسمعْ يا عمر ما أقول لك، ثم اعملْ به، إني لأرجو أن أموتَ مِن يومي هذا، فإن أنا متُّ فلا تمسين حتى تندبَ الناس مع المثنَّى، وإن تأخرتُ إلى الليل، فلا تصبحنَّ حتى تندبَ الناس مع المثنَّى، ولا تشغلنَّكم مصيبةٌ وإن عظمت عن أمْر دِينكم ووصية ربِّكم[18].
لمَّا توفي أبو بكر بايع الناسُ عمر صبيحةَ يوم الثلاثاء، فكان أوَّلُ عمل استفتح به عمر خلافتَه نَدْبَ الناس، وحثهم على الخروج للجهاد في سبيل الله في جبهة العراق، فكان أوَّلُ مَن خرج إلى المكان الذي حدَّده عمر لاجتماع الناس أبا عبيد بن مسعود الثقفي، فأمَّرَه عمرُ على الجيش؛ لسبقِه الناس، وجرْأته على قِتال الفُرْس[20]، وأمَر عمرُ المثنَّى بن حارثة أن يعود إلى العراق؛ ليكونَ طليعةً للجيش الإسلامي هناك. قدم المثنَّى بن حارثة إلى "الحيرة" في وقتٍ اضطربتْ فيه الأوضاع العامَّة في المناطق الخاضعة لسلطان المسلمين؛ نتيجةً لتدابير رستم وخططه العسكرية، فقدِ اتصل رستم بدهاقين المنطقة، وشجَّعهم على نقْض عهود المسلمين والثورة ضدَّهم، فثار أهلُ الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله[21].
فطِن المثنَّى بن حارثة لتدابير رستم وخططه العسكرية، فأعدَّ للأمر عُدَّته، وخرج بالجند من "الحيرة"، وعسكر جنوب العراق؛ لئلاَّ يُؤتى من خلفه بشيء يكرهه[21]، ظلَّ المثنَّى معسكرًا جنوب العراق ينتظر وصولَ أبي عبيد الثقفي بالمدَد من المدينة، فلمَّا وصل أبو عبيد بن مسعود الثقفي انضمَّ إليه المثنى بن الحارثة بالجُند، فالْتقَى المسلمون بالفُرس في "معركة النمارق" فهزموهم، ثم توالتْ هزائم الفُرْس في "كسكر" وغيرها، مما جعل رستم يُعدُّ جيشًا قويًا لمنع تقدُّم المسلمين في المنطقة، وقد زوَّد رستم الجيش الفارسي بسلاح الفِيَلة، وهو سلاح فتَّاك؛ ليخيفَ جُندَ المسلمين وخيلهم وإبلهم، لعلَّه يُحقِّق تفوقًا عسكريًا عليهم، وأسند قيادةَ الجيش إلى بهمن جاذويه فنزل الجيش الفارسي "قس الناطف"، فأصبح نهر الفرات بينه وبين المسلمين، فطلَب من أبي عبيد الثقفي قائدِ الجيش الإسلامي أن يَعْبُرَ إليه النهر، أو يأذن له في العبور، فاستشار أبو عبيد عددًا من القادة المسلمين، فأشاروا على أبي عبيد بعدم عبور النهر؛ لئلاَّ يُحصرَ المسلمون بين النهر والعدو، لكن أبا عبيد فضَّل عبور النهر؛ لئلاَّ يكون الفُرْس أجرأَ على الموت من المسلمين[22]، فطلب أبو عبيد من بعض دهاقين المنطقة إقامةَ جسر على نهر الفرات؛ ليعبرَ عليه جندُ المسلمين إلى الفُرْس المعسكرين في "قس الناطف"، وهناك دارتْ معركة بين المسلمين والفُرس في مكان ضَيِّق المطرد، ولم يكن للمسلمين معرفةٌ بمقاتل الفيلة، فلمَّا ضَرَب أبو عبيد الفيلَ بسيفه خبَطه الفيل بيده، فأَرْداه شهيدًا[23]، فاضطرب جيش المسلمين، ولَمَّا أراد جند المسلمين العودةَ إلى معسكرهم خلفَ النهر، اجتهد أحدُ الجند فقطع الجسر؛ ليمنعَ هزيمة المسلمين وتقهقرهم[24]، فسَقَط عددٌ من جند المسلمين في النهر، غير أنَّ المثنَّى بن حارثة وعددًا من قادة الجيش الإسلامي تمكَّنوا من إصلاح الجِسر، وحماية ظهر الجند، فعَبَر الجند نهرَ الفُرات إلى معسكرهم[25]. وقد عالج المثنَّى بن حارثة الآثارَ المادية والنفسية لمعركة الجِسر، ونجح في قيادة الجيش الإسلامي، والْتقى مع الفُرس في "معركة البويب"، حيث دارتْ بين المسلمين والفُرْس، كان الجيش الفارسي فيها مزهوًا بنشوة النصر في معركة الجسر، فأقبل نحوَ المسلمين في صفوف ثلاثة أمامَ كل صفٍّ فيل، فتلقَّفهم المسلمون، وانتصروا عليهم وقتلوا قائدَهم، وهزموا جنده، فولَّوْا هاربين نحوَ الجسر الذي أقاموه خلالَ عبورهم نهرَ الفرات، فسبقهم إليه المثنى بن حارثة، وقطعه وبذلك سدَّد المسلمون للفُرْس ضربةً قوية، وغنموا غنائمَ كثيرة
يتبع 👇
أسباب المعركة
الحلقة الثالثة
انتهز نصارى العرب القاطنون على شاطئ الفُرات غيابَ خالد في دومة الجندل، فأعْلنوا تمرُّدَهم على الإدارة الإسلامية، واتخذوا من "حصيد" و"الخنافس" قاعدةً لهم، غير أنَّ خالدًا لما رجع إلى الحيرة قضى على الاضطرابات في المنطقة،[16] ثم انطلق بالجيش إلى "الفراض"، حيث اجتمع فيها الفرس والروم ونصارى العرب، وتحزَّبوا ضد المسلمين، فقاتلهم المسلمون قتالاً شديدًا وانتصروا عليهم في منتصف ذي القعدة سنة 12 هـ. ظلَّ خالد بن الوليد في العراق حتى ربيع سنة 13 هـ،[17] حيث صدرتْ إليه التعليمات من أبي بكر بالتوجُّه بنِصْف الجيش الإسلامي في العِراق إلى الشام لمساعدة المسلمين هناك.[18]
تولَّى قيادة الجيش الإسلامي في العراق المثنى بن حارثة الشيباني، وقد اتَّسم بالحَذَر والحيطة، ومتابعة أخبارِ عدوِّه، فأخَذ يراقب الأوضاع العامَّة في المدائن وفي الأراضي الخاضعة للمسلمين، فأذكى العيون، وأقام المسالح[19]، غير أنَّه أدرك أنَّ قدرات الجيش الإسلامي في العراق غيرُ كافية للتصدِّي للفُرْس، الذين توحَّدت جبهتُهم الداخلية بتولِّي يزدجرد القيادة السياسية، فطلب المثنَّى من أبي بكر أن يمدَّه بقوة عسكرية، فلمَّا تأخَّر المدَد، قرر أن يرحل إلى المدينة ليطَّلع الخليفة على أوضاع المنطقة، فلمَّا وصل إلى المدينة، وجد أبا بكر مريضًا قد عهِد بأمر المسلمين إلى عمر بن الخطاب إلاَّ أنَّ أبا بكر لم يشغلْه مرضُه رغم شدته، فأصْغى إلى المثنَّى بن حارثة، فلما وقف على أوضاع المنطقة، وعلى أوضاع الجيش الإسلامي في العراق، أرسل إلى عمر، فلمَّا حَضَر عنده قال له: اسمعْ يا عمر ما أقول لك، ثم اعملْ به، إني لأرجو أن أموتَ مِن يومي هذا، فإن أنا متُّ فلا تمسين حتى تندبَ الناس مع المثنَّى، وإن تأخرتُ إلى الليل، فلا تصبحنَّ حتى تندبَ الناس مع المثنَّى، ولا تشغلنَّكم مصيبةٌ وإن عظمت عن أمْر دِينكم ووصية ربِّكم[18].
لمَّا توفي أبو بكر بايع الناسُ عمر صبيحةَ يوم الثلاثاء، فكان أوَّلُ عمل استفتح به عمر خلافتَه نَدْبَ الناس، وحثهم على الخروج للجهاد في سبيل الله في جبهة العراق، فكان أوَّلُ مَن خرج إلى المكان الذي حدَّده عمر لاجتماع الناس أبا عبيد بن مسعود الثقفي، فأمَّرَه عمرُ على الجيش؛ لسبقِه الناس، وجرْأته على قِتال الفُرْس[20]، وأمَر عمرُ المثنَّى بن حارثة أن يعود إلى العراق؛ ليكونَ طليعةً للجيش الإسلامي هناك. قدم المثنَّى بن حارثة إلى "الحيرة" في وقتٍ اضطربتْ فيه الأوضاع العامَّة في المناطق الخاضعة لسلطان المسلمين؛ نتيجةً لتدابير رستم وخططه العسكرية، فقدِ اتصل رستم بدهاقين المنطقة، وشجَّعهم على نقْض عهود المسلمين والثورة ضدَّهم، فثار أهلُ الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله[21].
فطِن المثنَّى بن حارثة لتدابير رستم وخططه العسكرية، فأعدَّ للأمر عُدَّته، وخرج بالجند من "الحيرة"، وعسكر جنوب العراق؛ لئلاَّ يُؤتى من خلفه بشيء يكرهه[21]، ظلَّ المثنَّى معسكرًا جنوب العراق ينتظر وصولَ أبي عبيد الثقفي بالمدَد من المدينة، فلمَّا وصل أبو عبيد بن مسعود الثقفي انضمَّ إليه المثنى بن الحارثة بالجُند، فالْتقَى المسلمون بالفُرس في "معركة النمارق" فهزموهم، ثم توالتْ هزائم الفُرْس في "كسكر" وغيرها، مما جعل رستم يُعدُّ جيشًا قويًا لمنع تقدُّم المسلمين في المنطقة، وقد زوَّد رستم الجيش الفارسي بسلاح الفِيَلة، وهو سلاح فتَّاك؛ ليخيفَ جُندَ المسلمين وخيلهم وإبلهم، لعلَّه يُحقِّق تفوقًا عسكريًا عليهم، وأسند قيادةَ الجيش إلى بهمن جاذويه فنزل الجيش الفارسي "قس الناطف"، فأصبح نهر الفرات بينه وبين المسلمين، فطلَب من أبي عبيد الثقفي قائدِ الجيش الإسلامي أن يَعْبُرَ إليه النهر، أو يأذن له في العبور، فاستشار أبو عبيد عددًا من القادة المسلمين، فأشاروا على أبي عبيد بعدم عبور النهر؛ لئلاَّ يُحصرَ المسلمون بين النهر والعدو، لكن أبا عبيد فضَّل عبور النهر؛ لئلاَّ يكون الفُرْس أجرأَ على الموت من المسلمين[22]، فطلب أبو عبيد من بعض دهاقين المنطقة إقامةَ جسر على نهر الفرات؛ ليعبرَ عليه جندُ المسلمين إلى الفُرْس المعسكرين في "قس الناطف"، وهناك دارتْ معركة بين المسلمين والفُرس في مكان ضَيِّق المطرد، ولم يكن للمسلمين معرفةٌ بمقاتل الفيلة، فلمَّا ضَرَب أبو عبيد الفيلَ بسيفه خبَطه الفيل بيده، فأَرْداه شهيدًا[23]، فاضطرب جيش المسلمين، ولَمَّا أراد جند المسلمين العودةَ إلى معسكرهم خلفَ النهر، اجتهد أحدُ الجند فقطع الجسر؛ ليمنعَ هزيمة المسلمين وتقهقرهم[24]، فسَقَط عددٌ من جند المسلمين في النهر، غير أنَّ المثنَّى بن حارثة وعددًا من قادة الجيش الإسلامي تمكَّنوا من إصلاح الجِسر، وحماية ظهر الجند، فعَبَر الجند نهرَ الفُرات إلى معسكرهم[25]. وقد عالج المثنَّى بن حارثة الآثارَ المادية والنفسية لمعركة الجِسر، ونجح في قيادة الجيش الإسلامي، والْتقى مع الفُرس في "معركة البويب"، حيث دارتْ بين المسلمين والفُرْس، كان الجيش الفارسي فيها مزهوًا بنشوة النصر في معركة الجسر، فأقبل نحوَ المسلمين في صفوف ثلاثة أمامَ كل صفٍّ فيل، فتلقَّفهم المسلمون، وانتصروا عليهم وقتلوا قائدَهم، وهزموا جنده، فولَّوْا هاربين نحوَ الجسر الذي أقاموه خلالَ عبورهم نهرَ الفرات، فسبقهم إليه المثنى بن حارثة، وقطعه وبذلك سدَّد المسلمون للفُرْس ضربةً قوية، وغنموا غنائمَ كثيرة
يتبع 👇
أسباب المعركة
تعليقات